الاثنين، 9 يناير 2012

عن العقل الجمعي مجددًا


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي الماجد, الفرد الصمد العلي الواحد, والصلاة والسلام على من كانت بعثته رحمة للعالمين وعلى آل بيته الطاهرين وبعد
فظاهر أن موضوع العقل الجمعي قد شغل الإخوة الفضلاء الذين يتابعون المدونة. ونيتي وإن لم تكن متوجهة نحو مزيد كلام عنه إلا أنه لا بأس من بعض إيضاح. فنقول وبالله التوفيق: قد قلنا ما نعنيه بالعقل الجمعي حيث عرفناه قائلين: "   التفكير المتشابه تجاه بعض الأمور بين أفراد مجموعة ما بالشكل الذي يؤدي إلى التناغم في تصرفات تلك الجماعة    " فالذي يؤثر في العقل الجمعي بحسب هذا التعريف عوامل عدة منها ما يكون مؤثرًا في الحيوان بصفة عامة, ومنها ما يكون مؤثرًا في خصوص النوع الإنساني, ومنها ما يكون مؤثرا في جماعة بعينها دون باقي الجماعات, والذي يعنينا هو الزمرة الثالثة من المؤثرات. هذه المؤثرات منها ما هو تاريخي ومنها ما هو جغرافي ومنها ما هو راجع لشخص بعينه أو أشخاص باعتبارهم جزءًا من تلك الجماعة, ولكي نكون نكون أكثر تحديدا فالذي يهمنا من هذه الزمرة هو المؤثرات الشخصية ونعني بها الفرد أو الأفراد الذين ينتمون إلى جيل من البشر يحيا في إطار جماعة بعينها وإلى جيل وربما جيلين  يتقدمانه. فهذه المؤثرات الأخيرة بالغة التأثير لأنها حية سريعة متفاعلة متجددة بخلاف النوع التاريخي والجغرافي فإنه بطيء الحصول على نحو لا نكاد نشعر به لأنه يحصل في فترة طويلة حنى يمكن أن تتشكل منه ذاكرة الجماعة إلا أنه دائم ونعني بدوامه أنه يستمر لفترة طويلة, وزواله يحتاج إلى وقت طويل بخلاف التأثير السريع المتجدد (فهذا يتمكن الناس من ملاحظته) وبخاصة في السنوات الأخيرة التي تتلاحق فيها الأحداث وبالتالي ما تستتبعه من تفاعلات مجتمعية. أبرز ما يلفت انتباهنا في هذه المؤثرات هم حكماء الأمة ومفكروها والذين تنتقل أفكارهم من وراء جدران صومعاتهم وتسير الجماهير مشدودة إليها  كما حدث في المجتمعات الاشتراكية والرأسمالية فهي في الأساس فلسفات كما هو معلوم ثم سرت في عقول الجماهير. لدى المسلمين كان لدينا من هذه الطبقة الممتازة (والتشارك في الامتياز عن باقي الجماهير لا غير وليس التشارك في ماهية الامتياز) المجتهدون والعارفون والفرق بينهما أن علم المجتهد كسبي وعلم العارف وهبي ولا مانع أن يجتمع الاجتهاد والعرفان في شخص واحد كما أنه قد يكون مجتهدا غير عارف أو عارفا غير مجتهد بل قد يحصل المرء شروط الاجتهاد مع كونه فاسقا إلا أن اجتهاده في هذه الحالة يكون مقبولا لنفسه غير مقبول لغيره لعدم أمن الكذب. وفرق آخر أن المجتهد يحتاج أن يتصل بشكل ما بالجماهير لتصل أفكاره إليهم. وقد يتصل من خلال كتاب أو من خلال الوعاظ والدعاة الذين يوصلون أفكاره إلى الناس من خلال الخطب والدروس. وهذا الطبقة من الدعاة والوعاظ هي طبقة في غاية الخطورة لأنها تمثل المرحلة التي يحصل فيها التفاعل وإن شئت قلت جدلية الفكر والواقع فيؤثرون في الناس بأفكار المجتهدين ويتلقون تأثيرا آخر من الناس من خلال إمكانية التطبيق وعدمه وهل كانت الفكرة الاجتهادية قابلة للتطبيق أو لا؟ ومن خلال هذه الجدلية يتشكل جزء كبير من الوعي المشترك وبقدر مخالطة الدعاة للمجتهدين والناس بقدر ما يترقى المجتهد والعكس صحيح فالمجتهد فاعل في المجتمع من خلال أدوات الاتصال وبقدر قبول الناس لاجتهاداته وهو منفعل في  تلقيه ردود أفعال الجماهير ومن ثم محاولاته تعديل اجتهاداته لتكون أكثر واقعية ومرونة وبما لا يخرم أسوار الشريعة. أما العارف بالله فلا يتوقف تأثيره على الاتصال المعروف وإنما قد يؤثر بحاله أو بتوجيه الناس عن طريق الاتصال القلبي أو يتصرف بحسب حدود ولايته التي أعطاها الله عز وجل له والكلام فيه نؤكد مجددًا أنه خارج عن إطار كتابتنا هنا فلنؤجله حتى يأذن الله بأن نتحاور حوله سويًا.
وحتى لا نطيل وقفتنا فلنبدأ إن أذن الأخوة الأعزاء في الحديث بداية من المقالات المقبلة عن مجال من مجالات الاجتهاد المعاصر ألا وهو السياسة الشرعية. والله ولي التوفيق

هناك تعليقان (2):

  1. فضيلة الدكتور،
    لماذا البدء كان من نقاط جزئية ولمَ لم تحاول سيادتك صياغة توجهات مشروعك الفكري في بنود عامة أو في مقال يستجمع أشتات الرؤية الخاصة ويضعها في نسق معقول يمكن التفاعل معه بشكل أكثر إيجابية؟

    ردحذف
  2. فضيلة الدكتور: كان هناك خياران: إما أن أضع خطة لما أود الكلام فيه وإما أن أشرع بحسب استفسارات السادة قراء المدونة لأنا نرزق فهما وعلما بسببهم وقد آثرت الخيار الثاني ثم إذا أثمرت الكتابة هنا عن شيء يستسمن فلا بأس من إعادة الترتيب وجمع المتآلف بجوار بعضه في مجموعات علمية متكاملة يسر الله لنا جميعا التوفيق

    ردحذف