الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

حديث عن العقل الجمعي


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان الأنوران الأزهران على سيد الأكوان نبينا الهادي بإذنه تعالى إلى طرائق الرحمن وبعد
فكلامي اليوم يأتي تواصلا مع بعض التعليقات التي دارت حول سؤال: هل العارف بالله هو الذي يؤثر في العقل الجمعي بشكل ملموس أو المجتهد؟ ولعل من المفيد قبل الشروع في الإجابة أن نجيب على سؤال آخر مبدئي وهو: ما العقل الجمعي؟ بيد أن الإجابة عن هذا السؤال تقودنا إلى سؤال آخر: ما المقصود بالجماعة؟.
من الواضح أننا نطلق لفظ الجماعة على العديد من التكوينات فهناك جماعة الأسرة وجماعة الفصل والمدرسة والوطن والقبيلة بل حتى اللصوص قد يكونون جماعة. يعرف العلامة الشيخ محمد عبد الله دراز الجماعة بقوله: هي المجموعة من الأفراد التي جمعها هدف مشترك وجامع واحد(الحياة الوجدانية والعقيدة الدينية ص127). وبدهي أن الجماعة كي تكون جماعة لابد أن يكون هناك مشترك ما بين أفرادها وكلما زادت المشتركات كلما قويت هذه الجماعة. وتتفاوت قوة الجماعات بحسب طبيعة هذه المشتركات ففرق كبير بين الاشتراك في المثل العليا والمبادئ السامية وبين الاشتراك في رغبات مالية أو حسية. وقد افترق علماء النفس أو الاجتماع في نظرتهم إلى الجماعة كما ذكر العلامة دراز (وأنا سأعتمد عليه في حكاية هذه المذاهب ونقدها ولكن بتصرف من عندي) إلى مذاهب ثلاثة:
          المذهب الأول: ينظر إلى الجماعة على أنها جسم عضوي واحد
          المذهب الثاني: ينظر إليها على أنها وحدة نفسية أوعقلية.
          المذهب الثالث: ينظر إليها على أنها أكبر من المجموع الذي تتألف منه أجزاؤها.
أما أصحاب النظرية الأولى فقد لاحظوا التشابه بين الجماعة والفرد فكما أن الفرد مكون من أجزاء وكل جزء يؤدي وظيفة تخدم الجسم فكذلك الجماعة مؤلفة من أفراد وكل فرد يؤدي وظيفة محددة تخدم الجماعة. ولأجل هذا التشابه ذهب هذا الفريق ومنهم أرسطو وتوماس الأكويني وهوبز وسبنسر إلى القول بأن الجماعة نوع من الأجسام العضوية يخضع لأحكامها بل أغرب نيكولص كويز منهم وبين على التفصيل أجزاء هذه الجماعة فالقوانين هي الأعصاب والتشريع الأعلى هو العقل والأرض هي الهيكل إلخ. والنقد الذي يتوجه إلى هذه النظرية هو أن وجود التشابه لا ينفي وجود الفوارق من حيث النشأة والنمو والموت والتصرف وليست للجماعة حياة واحدة كالفرد ولكن لها حيوات متعددة بعدد أفرادها وثمة فرق هام هو أن الجماعة تعتمد في نجاحها على التشابه النفسي بين أفرادها بينما الفرد يتكون من أعضاء متخالفة الوظائف والتركيب. فمجرد التشابه لا يعطينا الحق في نقل جميع أحكام المتشابهين إلى الآخر واعتباره هو. ولذا وجدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم شبه جماعة المؤمنين بالجسد الواحد ولم يقل إنها هو ومعلوم أن التشابه يكفي فيه الاشتراك في وجه الشبه لا غير.
وأما أصحاب النظرية الثانية فقد ذهبوا إلى أن الجماعة تكون وحدة عقلية فنراهم يتحدثون عن عقل الجماعة وإرادة الشعوب لا بطريق الكناية والمجاز ولكن بطريق الحقيقة ومن أنصار هذا الرأي وليام مكدوجل وهربرت سبنسر ودور كايم. ويعتمد هذا الرأي على ملاحظة تصرفات الجماعات المختلفة كأسراب الطيور وخلية النحل والجماعات الإنسانية فكثير من هذه الجماعات تتصرف كأنها مخلوق واحد ولا يمكن أن يكون هذا التصرف إلا أن يكون ناشئا عن عقل وهذا العقل بالتأكيد ليس هو عقل الأفراد وإنما هو عقل الجماعة الذي نشأ عن اتصال عقول أفراد الجماعة. فعقل الجماعة على هذا الرأي حقيقة واقعة وموجودة فعلا وناشئة عن الاتصال الذهني بين أفراد كل جماعة من الجماعات . ويذهب بعض العلماء إلى أبعد من هذا فيرى أن عقل الفرد نشأت وحدته عن إدراكات الخلايا وشعورها (هذا الفريق يرى أن لكل خلية من خلايا المخ شعورها وإدراكها الخاص) وإذا كان هذا هو الشأن بالنسبة للعقل الفردي فلم لا يكون كذلك الأمر بالنسبة للجماعة؟ فيكون للجماعة عقل هو قوة خارجية تنشأ عن التقاء عقول الأفراد. وقد لاحظ مكدوجل أن تصرف الفرد وقت شعوره أنه عضو من جماعة يخالف تصرفه وقت انعدام هذا الشعور. وهذه الملاحظات -وغيرها كثير- لا تبرر القول بأن للجماعة عقلا مغايرا لعقول الأفراد الذين يكونونها. يقول الشيخ دراز: لأن العقل الذي نعرفه لابد أن يكون وحدة ذات حياة واحدة، ولا تتحقق تلك الوحدة إلا إذا كانت أعضاء جسمه متصلة اتصالا عضويا (قلت: العقل لدى المسلمين ليس محله المخ أو الدماغ وإنما تظهر أنواره وآثاره في الدماغ)، وكانت أجزاء مخه مرتبطة ارتباطا عصبيا...فهل ما يسمى عقل الجماعة كذلك؟... وأين هو؟ وما هو عدد العقول؟ وهل هناك عقل أعلى للعالم؟. لكن يمكن تعليل السلوك الموحد للجماهير على أنه مشاركة وجدانية فطرية بل قد يشارك الفرد الحيوانات مشاركة فطرية كما لو استثيرت إحدى غرائزه فسلك سلوك الحيوانات. فالحركات الجمعية هي مشاركة وجدانية وليست أثرا لعقل عام أو شعور عام ولكنها أثر لتلك الغرائز الفطرية في الإنسان التي تثار عند ملاحظتها انفعال أحد الأفراد فيها. فهو في الحقيقة نوع من العدوى النفسية التي تنزل بالمرء عن مستواه العادي من التصرف الخلقي وتفقده كثيرا من شخصيته وهو نوع من التحكم الانفعالي الذي يجعل المرء غير متمكن من التفكير المتزن ولذلك تجد الجماهير في تجمهرها مغلوبة بالانفعالات.
بقي أصحاب النظرية الثالثة الذين يرون أن الجماعة مكونة من العقل والجسم ومن شيء آخر هو علاقة الأفراد بعضها ببعض. وهذا الفريق يرى للعلاقات وجودا زائدا على وجود الأفراد. وهذا الرأي أيضا مردود عليه بأن الأفراد يولدون موصوفين بتلك العلاقات وليست طارئة عليهم فهي من المعاني التي تكون شخصياتهم ولا يمكن الحديث عن الجماعة باعتبارها شيئا معاندا للأفراد لأن هذا يستلزم أن نجرد الأفراد من علاقاتهم وهذا فرد لا وجود له في الخارج لأن الشخص الواقعي هو الشخص ذو العلاقة المرتبط بغيره والأشخاص في علاقاتهم بعضهم ببعض هم الجماعة والجماعة هم هؤلاء الأشخاص وليست شيئا وراء ذلك.أ.هـ. ما أردته من كلام العلامة دراز بتصرف.
إذن ما الذي نعنيه نحن في كلامنا بالعقل الجمعي؟. الذي نقصد بالعقل الجمعي هو التفكير المتشابه تجاه بعض الأمور بين أفراد مجموعة ما بالشكل الذي يؤدي إلى التناغم في تصرفات تلك الجماعة. ومحال عادة أن تفكر تلك الجماعة بطريقة متشابهة في كل الأمور وبدهي بحسب العادة أيضا أن يختلف هذا القدر المشترك من جماعة إلى أخرى. لكن يمكن القول: إن ثمة مشتركا حيوانيا عاما يجتمع فيه الإنسان مع الحيوانات كالسلوك المضطرب في حالات الخوف والذعر كما يمكن القول: إن هناك مشتركات إنسانية عامة تلاحظ في الأطفال كنزوعهم إلى افتراض أن هناك خالقا للكون. ثم هناك المشتركات الأخص بين الجماعات المختلفة وهنا كان السؤال ما الذي يؤثر في هذا العقل الجمعي ويشكله؟ لدى الغربيين يمكن أن نلاحظ بدون عناء أن الفلاسفة عبر القرون الثلاثة الأخيرة قد سرت أفكارهم في الجماهير وشكلت بشكل كبير عقلهم الجمعي على الرغم من أن هؤلاء الفلاسفة لم يتبنوا فلسفة واحدة بل زخر النصف الأول من القرن العشرين على سبيل المثال بالعديد من الفلسفات المتباينة المتصارعة. لكن هناك أيضا قواسم مشتركة وهذه القواسم ومعها نفس الصراع الفلسفي أثر في العقل الجمعي للغربيين. وهذا لا ينفي انقسامهم أيضا إلى جماعات لدى كل جماعة منها وعيها الخاص. ونحن نؤكد جازمين أن البشر هناك في تفاعلاتهم السريعة إلى حد ما الفلسفية ومن ثم المجتمعية قد باتوا بحاجة ماسة إلى أن يطلعوا على الحل الإسلامي من خلال الكتاب والسنة باجتهاد يلبي حاجات العصر ويحقق معني تجديد الدين كما في الحديث المشهور.
في عالمنا الإسلامي لم يكن الفقيه معزولا (نعني بالفقيه هنا المجتهد كما هو في اصطلاح العلماء) وإنما كان مفتيا وقاضيا وكثيرا ما كان حاكما في ولاية أو إمارة أو كان خليفة لذا كان تأثير هؤلاء الفقهاء في عقول الجماهير قويا وواضحا. خذ هذا المثال عندنا في مصر: هناك عبارة كانت متداولة حتى وقت قريب في مدن وقرى مصر وهي: المغرب غريب. إذا فتشت عن سبب انتشار هذه المقولة لوجدت أنها من أثر اختلاط العوام بالفقهاء فمعلوم أن مذهب الشافعي رضي الله عنه في الجديد أن وقت المغرب ليس ممتدا إلى العشاء كما هو مذهبه في القديم ومذهب جماهير العلماء وإنما وقت المغرب عنده مؤقت بقدر ما يتسع لصلاة المغرب وما يتصل به من السنن. نعم ليست الفتوى في هذه المسألة على الجديد وإنما الفتوى فيها على القديم لكن بقي اجتهاد الشافعي الجديد في هذه المسألة محفورا في الذاكرة المصرية فراعى المصريون خلافه ونراهم يتعجلون صلاة المغرب ولو ذهبنا نتتبع الأمثلة لجئنا بالشيء الكثير. فالمجتهد يؤثر لكن بشرط الاتصال لذا ما إن انحسر دور الفقهاء في العصر الحديث وضعف إلى حد ما اتصالهم بالجماهير لم يعد لهم ذاك التأثير السابق وحل محلهم آخرون. لكن العارف بالله أمره مختلف, يوضحه حديث من عادى لي وليا فظاهر الحديث يفيد أن الولي يسمع بالله وبه يبصر وبه يبطش أي أن له قدرة تصريفية بإذن الله تعالى تغاير المعهود وتخالف المألوف لكنه في النهاية لا يريد إلا ما أراده الله وهو لو أقسم على  الله لأبره وهمته سابقة لكنها لا تخرق أسوار الأقدار والنبي الأكرم صلوات ربي وتسليماته عليه قد بين أن الحقائق قد تكون على خلاف ما نتوقعه كما في قوله: وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم. وكثير من الأولياء كما هو مسطور في كتب العرفان قد تجده مريضا مكدودا  لأنه تحمل الأذى عن أهل محلته وتأثير العارف متجاوز لكنك قد لا تعرف أن هذا الشخص المعين هو مصدر هذا التأثير فمن العارفين من فرضه الخمول ومنهم من فرضه الظهور لكن الخمول لا يعني أكثر من خمول ذكره لا خمول أثره. (الذي نحب أن نشدد عليه أنا لا نعني بالتأثير التأثير الحقيقي لأنه لا فاعل في الحقيقة إلا الله وإنما نعني التأثير المجازي والذي صحح التجوز هو كون العارف مظهرا لتجليات الحق).
وحديثنا هنا منصب على ما يمكن إدراكه بطريق العقل كشروط الاجتهاد مثلا أما العارف فشأنه متجاوز طور العقل فإدراكه كشفي ليس عن نظر واستدلال لكنه لا يعارض الشريعة, وقبول كشفه مشروط بعدم المعارضة.
أما حديث الأستاذة مايسة عن اليقين فاليقين حصوله عن طريق العقل صعب في المطالب العالية وإنما هو أخذ بالأليق والأخلق كما يقول الإمام الرازي. لكن هل معنى هذا أنه لا سبيل إلى حصول اليقين؟ الجواب: لا بل يمكن حصول اليقين عن طريق العقل أحيانا قليلة جدا وعن طريق شيء وراء طور العقل في أحيان كثيرة لمن سلك الطريق القويم. والطرائق العقلية قد تكون مفيدة جدا في هدم العقائد الباطلة لكنها في مقام إثبات العقائد الحقة تعد مقدمات مهمة تفيد اليقين أحيانا وتفيد الظن الغالب في أحيان أخرى. وهذا السلوك العقلي كثيرا ما يحصل معه يقين ليس ناشئا عن تلك المقدمات العقلية التي يمكن التشكيك في يقينيتها لا في راجحيتها وإنما هذا اليقين نور يقذفه الله في القلوب. وهذا اليقين يحصل لكثير من العوام الذين لم يسلكوا المسالك العقلية الصعبة وإنما راضوا أنفسهم برياضات الشرع من تأمل في بديع صنع الله ومن صلاة وصيام وزكاة وحج وأمر بمعروف ونهي عن منكر وحب الناس وبعد عن الغيبة والنميمة إلخ. فإذا ما راض المرء نفسه هكذا وواظب وداوم قذف الله في قلبه أنوار الحق. ولو جرب إنسان أن يداوم على الشريعة وأن يواظب على قراءة القرآن الكريم باعتباره خطابا يتوجه إليه ثم وقف بباب الحق سبحانه منتظرا فيض الجواد الكريم فإنه لا بد بحسب العادة الربانية أن تنسكب على قلبه المعارف الإلهية فإن الله عند حسن ظن عبده به ولكل ورده المعلوم ونصيبه المقسوم (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا)
وإلى لقاء آخر بإذن الله والله يتولانا ويتولاكم






الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

كلمة افتتاحية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحبا بكم أعزائي الذين قد يكترثون لقراءة ما تحويه مدونتي. ربما ليس من المهم أن أجيب عن سبب إنشاء مدونة خاصة بي لكن المهم هو لماذا جعلت عنوانها الالكتروني "الاجتهاد"؟. الاجتهاد معناه بذل الوسع وعند فقهاء الشريعة له شروط خاصة من تحققت فيه فهو المجتهد وهم يقسمون المجتهدين إلى طبقات وكثير منهم يقسم الاجتهاد إلى كلي وجزئي ولهم خلاف مشهور في الشروط الواجب توافرها في المجتهد ما بين مضيق وموسع. لكني لم أرد هذا المعنى الخاص وإنما أردت الاجتهاد بمعناه الأوسع الشامل للفقهي وهذا المعنى الواسع  يسمح أيضا لسائر الناس بالمشاركة في صنع النهضة الحضارية اللائقة بنا في عصر تعقدت منظوماته المختلفة في السياسة والاقتصاد وغيرها من المجالات وبتنا محتاجين أن نجتهد اجتهادا مبتدأ لعصرنا. نعم عند المجتهد تجتمع جميع الطرق وتصب هذه الجهود في شخص مجموعة من المجتهدين الذين يمكن أن نقول بشيء من التحفظ أن المقابل لهم لدى الغرب الفلاسفة الذين سرت أفكارهم بين عقول الجماهير فكان ما كان مما نشاهده لديهم من رقي في بعض المجالات
والسر في تحفظي السابق: هل المجتهد هو الذي يؤثر في العقل الجمعي  بشكل ملموس أم أنه العارف بالله، لكن الحديث عن العارفين حديث وعر، بعضه حديث مادي وجله عرفاني. أما المجتهد فشروطه مادية دائرة في فلك المعقول. والذي نجد أنفسنا مضطرين إلى التصديق به هو ضرورة أن يجتهد الكل في بذل الوسع متحررين من القيود المفروضة على العقل التي ليست إلا تكرارا لمقولات الآباء وهي مقولات قد تكون صحيحة مطلقا وقد تكون صحتها مقيدة بزمانهم وقد تكون غير صحيحة حتى في زمانهم. فالذي نرمي إليه هو التفكير الحر الذي لا ينصاع إلا للحجة والبرهان يحترم الاجتهاد السابق ولا يمانع من الأخذ ببعض مقولاته إن كانت لا تزال صالحة لكنه يقدم في نفس الوقت اجتهاده الآني ويقدم مشروعه الحضاري الذي تأخر. ليس معنى كلامنا أنه لا توجد جهود فردية في هذا الشأن بل هذه المدونة ما هي إلا محاولة تضم إلى سائر المحاولات التي هي في النهاية ممهدات لذلك المشروع.  لم نجد أرحب من الشبكة الالكترونية نكتب فيها من غير رقابة الجهلاء الذين اعتلوا معظم مؤسساتنا في عالمنا الإسلامي ثم الشبكة لا نحتاج فيها إلى وساطة أحد لنشر مقال وأنا رجل لم يعتد دق الأبواب وإنما أنا واحد من خلق الله الكثيرين الذين أحسوا أن لديهم نفس الهموم ونفس المشكلات ونفس التطلعات ويرغبون في مستقبل أفضل لهذه البلاد فلم يكن هناك فكاك من أن يتواصل هؤلاء وأن يتبادلوا الأفكار ويصحح بعضهم لبعض دون قيود ودون استطالة وتعالم وهي أمراض سيطرت على كثرة من الفاسدين عديمي الموهبة الذين امتلأت بهم مؤسسات العالم الإسلامي والذين لا يزالون يخاطبون الجماهير خطابا فوقيا مستعليا يحتقر ذكاءهم واطلاعهم ولسان حاله لقد قرأت لكم وفهمت لكم وما عليكم إلا أن تسمعوا وتطيعوا (ليست هذه الأمراض قاصرة على مجال دون آخر ولكنها سارية  في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية...إلخ). ولعل بعضًا يظن أن ما ننكره في الفقرة الأخيرة يتناقض مع ما يفهم من كلامنا في أول المقال من أن النخبة هي التي تحرك الناس وتؤثر في العقل الجمعي بشكل ملموس. وليس بين الكلامين تناقض لأنا أولا لا نسلم أن رؤوس المؤسسات من النخبة أصلا وإنما جاءت بهم الحكومات القمعية المتصالحة مع أعداء الأمة لضمان بقائهم في الكراسي والأمر الثاني أن النخبة لا يكونون كذلك إلا بفضل أفكارهم التي تجعل الناس يقدمونهم وينصاعون لهم طواعية فلا تكتسب الفكرة قبولا إلا بسبب جودتها وقدرتها على الإجابة عن الأسئلة.
ترى هل أحظى بتعليق قبل البدء؟؟؟؟